دور بريكس يتعاظم بمشاركة شركاء الشرق الأوسط

في الفترة ما بين يومي 24 و26 أغسطس، انعقدت بنجاح القمة الـ15 لدول بريكس في جوهانسبرغ بجنوب إفريقيا، وأعلنت القمة دعوة السعودية ومصر وإيران والإمارات والأرجنتين وإثيوبيا للانضمام الرسمي إلى أسرة بريكس الكبيرة. إنه أبرز إنجاز للقمة واللحظة التاريخية المهمة في مسيرة بريكس.

هناك 4 دول في الشرق الأوسط بين الدول الأعضاء الجديدة، الأمر الذي يعكس بجلاء اهتمام دول الشرق الأوسط بآلية بريكس وحماستها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى عن طريق بريكس. في هذا السياق، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إن مصر تتطلع إلى التنسيق والتعاون مع دول بريكس لتحقيق أهداف التعاون الاقتصادي وإطلاق صوت "الجنوب العالمي" لمواجهة التحديات. وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إن إيران تحرص على إجراء التعاون الشامل مع دول بريكس الأخرى في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والعلوم والتكنولوجيا وغيرها، بما يقدم مساهمة في السلام والتنمية في العالم. وقال الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد إن الإمارات تتفق مع الرؤية المشتركة لقادة بريكس حول التنمية المستقبلية للبشرية، وتتطلع إلى تعميق التعاون مع كافة الأطراف، بغية تحقيق الازدهار المشترك في العالم كله. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن المملكة تتطلع إلى تعزيز التعاون مع دول بريكس، لخلق المزيد من الفرص التنموية والاقتصادية، ورفع العلاقات البينية إلى المستويات المرجوة.

إن انضمام دول الشرق الأوسط الأربع يجعل بريكس أكثر كفاءة وتأثيرا. يبلغ تعداد السكان للدول الأربع 230 مليون نسمة، وأكثر من 60% منهم الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما، الأمر الذي يرفع تمثيل بريكس وتأثيره على الساحة الدولية. تعتبر الشرق الأوسط المنطقة الأكثر ثراء بالطاقة، إذ يمثل الاحتياطي المؤكد من النفط والغاز الطبيعي في الدول الأربع 34% و27% من الاحتياطي العالمي، بما يضخ قوة دافعة وضامنة قوية لدول بريكس. كما تجاوز إجمالي الناتج المحلي للدول الأربع 2.2 تريليون دولار، وبلغ حجم التجارة السلعية 1.9 تريليون دولار، ما يوفر إمكانية كامنة ضخمة للنمو الاقتصادي في دول بريكس. بعد هذا التوسيع، يرتفع عدد سكان دول بريكس من 42% من سكان العالم إلى 47%، ويرتفع إجمالي اقتصاداتها من 26% لاقتصاد العالم إلى 29%، ويرتفع حجم التجارة السلعية من 18% من العالم إلى 21%، ويتضاعف إجمالي احتياطي النفط والغاز الطبيعي، ما يقارب نصف الاحتياطي العالمي.

إن انضمام دول الشرق الأوسط الأربع سيزيد دور بريكس في تعزيز السلم والأمن العالميين. كانت معظم دول الشرق الأوسط غارقة في مستنقع الاستعمار في الماضي، ولا تزال تعاني من التدخلات الخارجية حتى اليوم، فتمتلك الرغبة الشديدة في صون التنمية السلمية وتحقيق العدالة والإنصاف، الأمر الذي جعلها قوة إيجابية تلتزم بالانفتاح والتعاون وتصون السلام والاستقرار وتدفع التنمية والازدهار وتعزز التواصل والاستفادة المتبادلة. إن انضمام السعودية وإيران إلى مجموعة بريكس يدا بيد، بعد فترة وجيزة من استعادة العلاقة الدبلوماسية، لأمر يجسد بجلاء روح بريكس المتمثلة في الانفتاح والشمول والتعاون والكسب المشترك، ويبشر بتعاظم دور بريكس الإيجابي والمستقر في الشؤون الدولية، الأمر الذي يعزز زخم التعددية ودمقرطة العلاقات الدولية، ويدفع بقوة نظام الحوكمة السياسية والاقتصادية في العالم نحو اتجاه أكثر عدلا وإنصافا.

إن انضمام دول الشرق الأوسط الأربع يزيد حضارات بريكس أكثر ازدهارا وتنوعا. تعد الحضارتان العربية والفارسية من الحضارات العريقة والممتازة في العالم، وقدمتا مساهمات مهمة وفريدة في التواصل الثقافي بين الشرق والغرب والتقدم البشري. خلق العرب "الأرقام العربية" وعلم الجبر بكامله بعد استيعابهم للثقافات الأجنبية. أما الفرس، فخلقوا أول نظام نقدي معياري قائم على أساس العملات المعدنية وأقدم النظام الطبي في العالم. فإن انضمام المزيد من الدول ذات الحضارة العريقة لصقل العقول وحشد القوة عبر التواصل والاستفادة المتبادلة، سيدفع بكل التأكيد تقدم الحضارات ويحشد قوة أكبر لتطوير الحضارة البشرية.

من يسير على الطريق الصحيح لا ينقصه الرفاق ومن يسير مع الرفاق يصل إلى مبتغاه. إن انضمام دول الشرق الأوسط إلى أسرة بريكس الكبيرة لأمر يتماشى مع تيار التاريخ، ويعد تمديدا لمنصة التعاون بين الجنوب والجنوب وتعزيزا للقوة المحبة للسلام وتوسيعا لجبهة العدالة العالمية، ومعلما مهما آخر للتعاون والتضامن بين الدول النامية، لا شك أنه سيدفع آلية بريكس لتكتب فصولا جديدة للتضامن والتعاون بين دول الأسواق الناشئة والدول النامية من أجل التنمية، وسيقدم مزيدا من الإسهامات في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.